في التاسعة تنتهي كل الأيام

تنتهي الأيام عندي في الساعة التاسعة، ما بعد التاسعة ضبابي كنشرات الأخبار، اعتدت قبل عشرة أعوام أن أشاهد أخبار التاسعة بجوار والدتي بينما يتوزع أخوتي الأربعة حولنا كالملائكة، و في ظلام الغرفة الصغيرة و الصمت الذي يملأه شحوبنا كان يصعب على كلينا أن يفكر في الغد، ليس لأننا لا نعلمه، بل لأن غموضه يجعلنا نتجنب اختيار نسخة منه دون أخرى، بدت الأيام منذ عام 2008 متشابهة إلى حد كبير، يخلع اليوم الأول قناعه ليهديه لمن يحل محله، و لولا أن القناع يزداد اهتراء و فظاعة لظننا أن الزمن ثابت. لا أتذكر ما كانت المذيعة لتتحدث عنه، العالم كان أكثر سلاما حينها، على الأقل أكثر سلاما خارج جدران بيتنا، إخوتي النائمون كل على أعتاب جدار كانوا يتناوبون في أحلامهم جمع ما يتسرب من ضوء القمر ليملأوا به قلبينا، كنت طفلا حتى ذلك العام، بعدها كبرت فجأة، أكتب كل هذا محاطا بظلام يشبه ذاك الذي لطالما أحاط ليالينا حينها، وحيدا هذه المرة، أتمالك نفسي لكي لا أبكي، و أعيد ترتيب ما تبقى من حطام الذكريات هذا لتسهل روايته..


كنت أنام قبل التاسعة، حينها كانت الدنيا جميلة، و حينها كنت قد أنهيت 11 عاما سعيدا من عمري متقلبا بين مجلات ماجد و العربي الصغير، وحيدا، و دون أن أعرف ما الذي يعنيه أن تشتم، أو ما بإمكان الليل أن يفعله بأفكارك المشتتة. تنسلخ هذه الذكريات من كل يوم عابر كما لو كانت عبئا يجعل من مروره أصعب، و أجمعها أنا. لست حزينا لأن كل شيء تغير، لا زال بإمكاني أن أتحدث عن الرجل الذي نبت من بين أنامل والديه الناعمة لتعلمه الحياة أن يكتب، لا أستطيع تخيل سيناريوهات أخرى..


ستقرأ والدتي هذا، تجعل الكتابة من الأحداث أكثر كآبة أو سخفا، و لا أعلم أي انطباع سيتركه هذا التخبط عند قارئ لا يفهم ما الذي حصل قبل عشرة أعوام، ولد أخي الخامس، و تغيرت حياتنا، لن أقول إلى الأسوأ، و لكنها تغيرت، صارت الأقنعة في كل مكان، يتساقط بعضها، و يعاد تداول البعض الآخر..


عرفت الحب و الشعر و كرة القدم و الموسيقى و الجوع و الألم و الاكتئاب، كانت جميعها تستحق التجربة، و لأنني كنت طفلا لم يعرف كم هي حادة ملامح هذا العالم بدأت في تلمس كل ما يمر بي و تذوقه، جعل هذا من كل تجربة أكثر خلودا و تأثيرا، و ترك أيضا بعض الندوب. أعيش دوامات من الخوف و القلق، و في ليلة كهذه مغمورا بموسيقى "Por una Cabeza"، في ما يبدو أقرب إلى مناسبة عويل و توديع، يبقى جل ما أتمناه أن أحتضن أحدا عوضا عن ظلي البارد، و أن أنام قبل التاسعة...