ضواحي ميونخ المملة

في ضاحية هادئة جنوبي ميونخ يمكن أن أعيش، في حي يشبه هذا الحي، وبجانب جيران نفضوا عن صباحاتهم ضجيج المدينة. تجلس عجوز أمام مقهى صغير، بيدها كأس انسكبت فيه شمس خريفية على خجل، وفي الخلفية يعيد دماغي اسطوانة قديمة لباربرا وهي تغني لجوتنجن، إذ ربما تكون نهاية الآمال أن أجلس مثلها يوماً، متقاعداً، وباحثاً في صباحات خريفية عن ذكرياتي القديمة:


كانت حياة طويلة تلك التي عشتها، وجيدة كذلك، ربما يعكر صفوي جار يهش أوراق الغروب التي غزت الرصيف، أو قد أتذمر من بيروقراطية مكتب الضرائب، والطريق المغلق لإصلاحات متكررة، ولكنني سأخبر نفسي كل مرة أنني أسكن ضاحية هادئة جنوبي ميونخ، والوقت هنا طويل، والوحيدون الذين يسعون إلى نهاياته لا يزالون في المدرسة، أما أنا، فسأعود إلى رفيقة في منزل بحديقة صغيرة، وسيهاتفني حفيدي من مدينة أخرى بعربية متعثرة، وسأنغمس في الكتب والأفلام التي انتظرتني، وربما كتاب جديد أقول فيه شيئاً لم أقله سابقاً.


كل هذا من صنيع فرنسية باربرا، ونعومة اللحن الذي غنته - في حق مدينة صغيرة ك"غوتنغن" - ليغمرني في يومي كله، في جولتي الصباحية في ذات الطرق المملة، فوق السرير، تحت الحمام الساخن، وبين سحابتين حيث أترقب إطلالات الشمس وانسلالها من برودة الشمال. لم تسحرني فرنسا، ولا الفرنسية، ولكنني متعلق بالموسيقى الفرنسية، بباربرا، وإديث بياف، وشارلز أزنافور، وبالوقع المميز لعازفي الأكورديون والجاز الذي يفوح من المقاهي، وأجد في هذه الموسيقى شارة بداية ونهاية مناسبة لحياتي القادمة، حياتي المملة والهادئة، حياتي التي أنوي أن أقضيها في ضاحية ما جنوبي ميونخ.