بحث عن حب لرجل محطم

إن البحث عن الحب لرجل محطم مثلي يقوده إلى حسناء تحمل جوازاً يشبه جوازه، جواز منهك، وغير قادر على حمل ضعفه عبر الحدود، ومعشّق بأشباح رصاصات دفنت نفسها في أجساد الآلاف لتخبئ نفسها من عار الحرب. يمنية فقط هي القادرة على أن تجمع شظاياي العالقة على طول رحلتي من صنعاء إلى ميونخ، وتزرعها أملاً في صدرها الدافئ، امرأة تعرف كيف تبدو الحرب، وتستطيع أن تفهم لماذا أتوقف عن التنفس كلما احتل صوت طائرة ما ضجيج المدينة. امرأة تعرف كيف تنظر في عيني جثة وتقول لها:

يا حبيبي، أنا أفهمك..


امرأة يمزج وجهها ما بين تاريخ مزيف، وحاضر هلامي، ومستقبل لا وجود له، تذكرني كلما نظرت إليها بأمي، لا بإحدى الدمى الموزعة في دور السينما، وتشبه في ابتسامتها انفراج سماء القيامة، تنزل الملائكة، ويقف الناظر حائراً، هل تقوده ابتسامتها إلى الجحيم أو إلى الفردوس؟


هي يمنية برائحة أغصان القات، لا تخجل من أن يقترب حبيبها بما يكفي ليشتم تاريخ شعبها معها، ولا تحاول هي أن تخفي رائحتها -رغم بؤسها- بما تجده من هويات الآخرين. هي يمنية بخديها النحيلين، وعينيها اللوزيتين، وشعرها الليلي، وذراعيها الرقيقين. تقف خائفة مثلي، وتنظر إلى البعيد، إلى ما خلف الجبال، و تتمنى -كما أتمنى أنا- لو كانت عائلتها بعد تلك الجبال، ولو كانوا كذلك لما مانعت أن تمشي إليها وحملتُها كل الطريق.


إن امرأة تعيش الحضارة بجمالها لا تناسب رجلاً مشوهاً مثلي، ذلك أنها حتى وإن تظاهرت بالاهتمام لن تجد أناملها الطريق إلى السراديب المظلمة في قلبي، وستبقى في ظل الحب، مؤرجحة بين الشغف والألم، تنظر إلى عينين فارغتين، وتهوي فيهما دون أن تصل إلى شيء، قد تقول لي أنها تفهم الحرب، وقد تمطر على ثيابها دمعها كله، أو قد تعود معي إلى بلدي لتعيد الحرب تشكيلها، وقد تضحي بما تبقى من أمانيها لأجلي، ولكنها لن تستطيع أن تصل إلي، وستبقى كالنسيم الذي يحرك أبواب المنازل المهجورة؛ مصدر قلق، وبداية أساطير وحكايات أشباح، ولن تفهم...


إن الحب الذي تقدمه لك فتاة تعرف ما هو اللحوح يعرف نفسه باعتباره منقذك الوحيد من نفسك، تمرر يديك على وجهها وتتحسس في انحناءاته أصوات باعة الخضار المبتسمين لأقدارهم، والشوارع التي تفرش لك مخلفات الآخرين في تعبير عن الوحدة المجتمعية، والمنازل التي لا تجد فيها أكثر من دولارين. وتدرك أنك وصلت، تؤمن أنها تكفيك، تستمع إلى صوتها الذي يشبه اهتزاز قلبك بعد انفجار قريب، وتختفي في حضنها، لاجئاً إليها من صوتها الذي يعيد إليك ذكرياتك كما هي، وذكرياتك -أو على الأقل ذكرياتي- تنزف، وقد تنسكب على إحداهن في قصيدة، أو في نص كهذا، رومانسي ويرتدي ثوباً، ويضع على خصره أشلاء شعب بائس وأرض ملغمة.


إن البحث عن الحب لرجل محطم مثلي هو البحث عن امرأة تشبهه، أو يشبهها، حتى يتوهم وهو ينظر إليها أن الله خلقه مرتين، أو يطفئ الأضواء وهو يتوقع اختفاءها كما تفعل صورته في المرآة، ولا تفعل، فهي -إذ هي تشبهني- قادرة على تحمل تاريخ مثقل بإرث لم أختره، وتناقضات لا تنتهي، وأمنيات لن تتحقق، وعجز كامل، وأنا -إذ أشبهها- سأفهمها كذلك، وسأعلل بكاءها الذي انفجر في المقهى بكونها مثلي، لها تاريخ مثقل بإرث لم تختره، وتناقضات لا تنتهي، و أمنيات لن تتحقق، وعجز كامل، وقلب مرهف تسلبه رفرفة فراشة فوق بلد مثخن بالجراح.


كل ما أقوله هو أنه يصعب علي تخيل الحب في امرأة لا تشبه هذه التي أتحدث عنها، جميلة جمال الألم، وبائسة بؤس الجبال التي تلد المتفجرات، حنونة حنية المفلسين، وتائهة تيه البن. يمنية، وحلوة ككل شيء قد يحلم به رجل منهك مثلي.