الحب والباذنجان

لا أزال أخاف الباذنجان، أخبرتني والدتي أنني كنت أخافه منذ الطفولة، كان يكفي أن أراه لأبكي، وبعد مضي بضع وعشرين عاماً، ها أنا ذا، عاجز تماماَ، ولا أستطيع الاقتراب من تذوقه حتى. لم يكن هذا الخوف الوحيد. يتخذ الخوف أطياف الحياة كلها، وسواء كان ثمرة باذنجان، أو العدم والنسيان، فإنه أول ما نتعلمه في الحياة، حتى نخاف السقوط، والموت، والإحراج، والظلام.


فهمت كل هذا متأخراً جداً، أنا الآن في مدينة هادئة، يطل عليها الألب، تفترش الشمس حديقة المنزل، وتتسلل الرياح عبر الحشائش إلى النافذة التي أكتب أمامها، ولكنني، رغم كل هذا، لا أزال محاصراً بالخوف، وكلما باغتتني طائرة، أو عبرت بغرباء على الرصيف، أمسك قلبي بيدي، وألملم أنفاسي المبعثرة، فربما أفلت ليوم آخر.


حتى في الحب، ثمة خوف دفين، وذكريات متلاشية تلاحقني. همست في أذني إحداهن مرة، ولم يسعفني خوفي لأسألها في اليوم التالي ماذا قالت بالضبط، إذ كانت هي قد فرت بعد همسها بابتسامة خجولة إلى حيث تجلس صديقاتها، ولم أحدثها بعد ذلك اليوم، ولم أحب أحداً، ولم تحببني أيهن. الحب ليس إلا عبوراً لحاجز الخوف، هذا ما تعلمته متأخراً كذلك، استغرقني الأمر خمس سنوات من الحب، أو من الخوف المتبادل مع رفيقتي.


أنا ألآن في مدينة هادئة، أمر ورفيقتي على المسافات التي فرقتنا، ونبتسم في لقائنا في حديقة الحيّ، ونمشي، كلانا، عشرة كيلومترات، أو نصف مدينة، على دفعة واحدة، يمد كلانا أمله إلى المستقبل، ويرى الآخر متجعد الملامح بجانبه. الحب تجاوز للخوف من المجهول، والخوف من الفراق، والخوف من الهدوء، لذا وحين تجد نفسك تخسر اندفاعات القلب التي عرفتها بداية الحب، تنفس، وانس الهرمونات، وأمسك بيد حبيبك عبر حاجز الخوف.


أتمنى لو تستطيع المعالجة النفسية أن تقرأ العربية، فالخوف حقيقي، وغير قادر على التسرب إلا من خلال لغة واحدة، في حالتي أنا على الأقل. والخوف بمقدوره اتخاذ أطياف الحياة كلها، وتشكيلنا معه، دون أن ندرك شيئاً، حتى وإن اتخذ طيف ثمرة باذنجان.