في البدء كانت عيناك

في البدء كانت عيناكِ، وعيناكِ كانتا عند الله... [جزء من النص مفقود]

.

لا يمكنك أن تحب امرأة دون أن تعبدها، دون أن تجد في عينيها ملاذاً ما من وجود لا تفهمه، وغاية ما لوجود لا تطيقه، يتطلب الأمر الكثير من الأضحيات والقرابين، أماكن مقدسة، أوقات مقدسة، طقوس تخصها، محرمات لا منطق وراءها، والكثير من الصبر، ولكنك تنتهي بأن تعرف نفسك بهذا الحب، وترتمي في بابه حتى حين لا تخطئ، وتحارب الدنيا، كل الدنيا، لأجله..


وقصتي، كقصص القديسين في الألفيات الماضية، بدأت مع امرأة، وكالحمقى الذين يقولون أي شيء، قلتُ كل شيء، وتحدثت معها عن الموسيقى وكرة القدم والجبال التي تدحرج تاريخنا إلى سفحها، وأفشيت لها أسراري كلها، حتى تلك التي أخبئها لله، وتلك التي نقشَتها الشمس في سيري الطويل إلى الغد، ولم أقاوم عينيها، كان يكفي أن تنظر إلي لأنهمر مع الريح، وأستعيد رماد تهامة المنثور في رئتي، كان الأمر كما لو أن الشمس، وهي ابنة تلك البلاد ومعبودتها الأسمى، كما لو أن الشمس سكبت في عينيها -عمداً- تسابيح الملائكة للأنبياء، وكلما تخيلت انعكاسي فيهما، ظننتني مباركاً..


لم يكن الحب باهتاً يوماً، كان بإمكاني أن أحترق في ذكراها وأنا في أحضان امرأة أخرى، وأن أحترق في حضورها، وأنا أروض اعترافاتي بالحب، وربما لو كنت أضعف قليلاً، ربما لو لم أكتب قصيدة كاملة في الحديث عن امرأة تشبهها في كل شيء إلا اسمها، لو لم أقتبس من الإنجيل، وأكتب عن المجهول، لولا تلاعبي الدائم بالكلمات لقلت لها: أحبك، هكذا عارية كسماء تموز، لم يحتضني أحد كما احتضنتني سماء تموز حين طردني الله من العدم، إلى عينيها...


كان بإمكاني أن أسيل مع أغنية لم تهدها لي، وأباغت ظلها وهي تفكر في رجل آخر، وأسردني وجعاً آخر في عدّاد جرحاها، كان بإمكاني أن أقول أنها ككل النساء، وأن الحب اضطراب هرمونات، وكان بإمكاني أن أجد نساء غدرن بالقدر في لحظة الهروب الأولى، وظفرن بكل شيء، ولكنني أستيقظ كل صباح، وأتحسس الفراغ على السرير، آملاً أن يكون كل هذا حلماً، كل هذه الأعوام التي لم أعرفها فيها، وكل هذه الأعوام التي بدأت بعينيها، وفي كل صباح، مهما فرت السنوات من اللقاء الأول، أشعر بالخيبة ذاتها، أتصفح حساباتها، أدندن الأغاني التي تحبها، أرتب جدولي ليناسب مواعيدها، وأتفحص أسعار التذاكر إلى حيث هي الآن، وفي كل صباح، أجدني أعود إلى عينيها

.

في البدء كانت عيناها، وفي النهاية كانت عيناها...