النظارات والفاتنات

تضع الفاتنات النظارات ليعدن رسم السحر في أعينهن، ويخلعنها حين يشعرن بالضجر كما قد يخلعن ظلالهن، ويشعرنك بين هذا وذاك أنك قد وقعت في غرام امرأتين. ثمة ما يجذبني إلى النظارات الواسعة على النساء، ربما الذكاء الذي تعطي به اسماً للضوء، وربما هو سحر العدسات نفسها في تلاعبها بالكون، وربما هو الحاجز بيني وبين التيه في الأعين الهائجة، والأعين الهادئة، والأعين المتحذلقة والماكرة..


ولا علاقة لهذا بكوني أضع نظارات إطلاقاً، أنا مجبر لا أكثر، ولكن في الطريقة التي يتمايل فيها السراب أمام أعينهن ليصبح واقعاً شيئاً يشبهني، أشعر أن بمقدورهن - بنظاراتهن- أن يبصرن ما خلف السراب -الذي هو أنا، والدخان الذي يملأ قلبي: لي قلب من زجاج، يملؤه الدخان...


وتضع الفاتنات النظارات ليقلن لليل افترش الجبال ودع لنا تخطيط السماء، وهن حين يمسكن نسيج السماء يغزلن فيه النجوم والشِعر والأغنية، ويتناولن القدر الذي هو الانفجار الأول وكأنه شقوق أيديهن الناعمة، أو فناجين القهوة اللواتي يقرأنها..


وحين تقول فاتنة تضع النظارات شيئاً فأنا لا أملك إلا أن أصدقها، تسأل: هل ترى كيف انبعث من الكلمة الليلُ؟ وتقول: أنا طوفان نوح وحزن أنكيدو، وهي ما شاءت أن تقول، طالما بمقدورها أن تنظر إلي من خلف انكسار الضوء ذاك الذي تضعه على عينيها..


الفاتنات يضعن النظارات ليملأن أكوابهن بالقمر، حتى تظن القمر انعكاساً لأكوابهن، ويتمعّن في البعيد وكأنه أحجية الوجود التي لو أبصرنها لحللنها، والفاتنات يضعن النظارات ليكن فاتنات، والفاتنات يضعن النظارات استسلاماً للأطباء، والفاتنات يضعن النظارات لينهكن الشعراء، والرجال أمثالي...