ثقافة عالمية هي الأخرى

عدت للتو من جولة مطولة طفت فيها شوارع ميونِخ القديمة، على ذراعي ارتماء الشمس الخجول، وفي أذني سماعتان والكثير من الأغنية اليمنية، تنقلت اليوم بين أبوبكر سالم وفيصل علوي وحسين محب وفؤاد الكبسي وحمود السمة وفؤاد عبدالواحد وغيرهم، ومع كل أغنية جديدة، كنت أتساءل: ما الذي يمنع المارين في هذه الأحياء التاريخية من الاستمتاع بما أسمعه الآن؟


أشعر بالامتنان لهذا العالم، طفت -خلال حياتي القصيرة هذه- نصف العالم، وانغمست في الفن الذي قدمته كل ثقافاته التي عرفتها، كنت قادراً على الانطراب ب Édith Piaf و Charles Aznavour تماماً كما انطربت ب Frank Sinatra انغمست في الموسيقى اليابانية وتعقيد الثقافة الذي قدمه عالم الأنمي، ووجدت في تراقص الأفارقة على الطبول طيفاً يمنياً عابراً للحدود، انفعلت مع Kalinka وتشيخوف وديستيوفسكي وأدمنت كتابات ماركيز وكرة القدم اللاتينية، وحين خانتني اللغات التي أجيدها، والتاريخ الذي أفهمه، لجأت إلى أن أشعر بالبشري الآخر، بعظمة ما يقدمه لي، وبالتنوع المذهل الذي يحتويه هذا الكوكب الضئيل جداً جداً...


وتساءلت مجدداً، ما الذي يمنع العالم من أن يستمتع بما يقدمه اليمني؟ من أن يتناول معه الفحسة والشفوت وبنت الصحن، ويرقص معه على اللحن المنبثق من صنعاء وتعز وعدن والمكلا، ويقرأ له عن الأساطير التي تكتنفها الجبال، ويعرف كيف اختفى التاريخ بين الصحراء والبحر في السينما..


وأتمنى أن أقوم يوماً بشيء مختلف، تراودني دائماً فكرة إقامة عرض يمني خالص، ضخم للغاية، وفي أكبر ساحات ميونخ، شاهدت عرضاً مشابها للأيغور قبل عام، قدموا رقصاتهم وموسيقاهم وأزياءهم وطعامهم للألمان ، وقدموا معاناتهم كذلك، يشعر المرء بالتعاطف مع الآخر حين يفهمه، أو يشعر بشيء من بشريته، أفكر في كل مرة أكتب فيها في كيف بإمكاني أن أخرج من قوقعتنا التي اعتدناها إلى العالم، وكيف بإمكاننا أن نعيد تقديم المطبخ اليمني ككنز مجهول، نجح اليابانيون في التسويق للسمك النيء، والهنود والفرنسيون كذلك، وأجدنا نمتلك ثراء ثقافياً، خامة لم يجربها أحد، وهو ما يجعلها مناسبة للاستكشاف..