حين أفزعنا الملائكة

نحن الذين ولدنا مفاجأة، مفزعين الملائكة التي تزرع الحظ في جبهات الأوروبيين، كان بإمكاننا أن نولد باحثين عن المعنى، رحالة ومستكشفين، كان بإمكاننا أن نولد حمقى ونحيي حياتنا التي لن تعود بنبيذ أحمر اللون، ولكننا ولدنا هنا، في المنحدرات التي تغسل بؤسها مع الأمهات في الوديان، نحن الذين غربلتنا أمهاتنا من خيوط الليل لتختار من القدر أحلكه..


ولدنا في الأحياء الضيقة التي تتسع لكل شيء، كل شيء إلا السعادة، ولدنا في أطراف الشوارع الترابية، على وقع الصرخات التي تتناقلها الشقق المتضاجعة، تنازعنا النهود مع إخوتنا، واشتممنا -حين عرفنا الحياة- رائحة الفقر، عرق المُولِّدة، ورائحة الخبز الدافئ الذي سنحن إليه كلما بكينا، كما بكينا لأول مرة..


نحن الذين ولدنا مفاجأة، واستمعنا إلى الموت في خطب الجمعة، ولم نتفاجأ حين لم نجد سوى الصمت في المائدة، ونحن الذين ظننا بأن النقود تخلق في الجيوب، فانتظرنا، وانتظرنا، وتفقدنا كل جيب دون جدوى: الملائكة التي تزرع الحظ في جبهات الأوروبيين لم تمر علينا، ولم تقرأ أخبارنا في الجرائد، ولم تفتقدنا حين جربنا الحرب، والحرب تجربة المعدمين..


نحن الذين ولدنا مفاجأة، نحن الذين ولدنا دون تصريح، دون أن نقبل البؤس، ودون أن نفاوض الله على منزل أوسع، وسماء تتسع لأحزاننا..


لم نكن ندرك أن ثمة ملائكة توزع الحظ في أوروبا... كان عالمنا منحصرا في الأحياء الشعبية، نطلب من جيراننا بصلاً، ونسبح في السيل، نتباهى بعدد الضربات التي تحملناها من والدينا، نطلب من البقال فُولاً كدَين، نكتب قصص حبنا على جدران الحي، نعض أذرعنا لنحصل على ساعات، ونستلقي لنخمن ما إن كنا سنحصل على كرة لنلعب في الصيف..


ولدنا لنتعمق في التفاصيل البسيطة، ولنبحث عن الموت في جيوب الآخرين حين لا تخلق النقود في جيوبنا. ولدنا لنحتكر الشمس لنا، ونعبد كل الأساطير التي تخبرنا أن ثمة ملائكة مرت على أرضنا، ذات الأرض التي نغرس جثثنا فيها، لنزهر في النسيان، وذات الأرض التي يولد الأشقياء فيها مفاجأة، ويموتون مصادفة، ويعيشون وجعا واحدا متصلا، متجاهلين احتقار الذين يزرع الملائكة الحظ في جباههم، وممعنين في الوهم..


نحن الذي ولدنا مفاجأة، وأفزعنا الملائكة..