حين يقرر البشري عن الله


حين خلق البشر الآلهة في البدايات، كانت تلك الآلهة بسيطة للغاية، وتشبههم كذلك، بإمكانهم رؤيتها والتفاعل معها، وبإمكانهم رؤية تأثيرها المباشر على حياتهم، إذ كان كل ما يعنيهم في الإله هو صيد وفير ومطر ومأوى، وربما بعض الحاجات الأخرى، ولهذا عبد البشر الطبيعة في البداية، إذ كانت هي كل ما يهمهم...ـ



إلا أن الآلهة تطورت بمرور الزمن، صارت أقوى، وتعطي أوامر أكثر، وتطلب طقوساً محددة، ووصلت ذروتها مع الأديان الإبراهيمية، إذ صار الإله مطلقاً، لا يشبه أي شيء، ولا يمكن للبشر تخيله، أو معرفة فيم يفكر أو توقع تحركاته القادمة، ولا ما إن كانت له بداية أو نهاية (بعض الديانات الأخرى قدمت قصصاً لبدايات الآلهة)



تكمن الإشكالية هنا في أن البشر لم يتطوروا بعد ليستوعبوا -جميعهم- هذا المطلق، وكانوا دائماً بحاجة إلى اللجوء إلى ما يمكن لعقولهم تخيله، لجأ المسيحيون لعيسى، وعرب شبه الجزيرة للأصنام، والشيعة لعلي والحسين، والمتصوفون للأولياء، وغيرهم للقبور، فلطالما حاول البشر تقديم تصورات أكثر بساطة للإله، وأنا لا أملك مشكلة مع هذا إطلاقاً، بل أرى أن هذا الإيمان البسيط الذي يكوّن كل امرئ فيه تصوره الخاص عن الله بديع للغاية، مشكلتي تكمن في الجهل...ـ



يجد المسلمون (السنة خصوصاً) أنفسهم أمام النبي محمد الذي أكد بوضوح على بشريته، وأمام الكثير من التعاليم التي تحرم أي وسيط بينهم وبين الإله المطلق، الإله ذو الوجه الواحد، لا إله الأهواء المتعددة، يحاول الإسلام تبسيط الصورة بتقديم صفات دنيوية للإله ((سميع بصير))، وفي الوقت ذاته يؤكد على أنه ليس كمثله شيء، ولكن المطلق صعب، والبشر سيميلون عاجلاً أم آجلاً إلى تصوراتهم البسيطة الله...ـ



سيفكر الله مثلهم، سيعاقب من يعادون، ويبتلي من يحبون، فهم مركز الكون بالنسبة لذاك الإله، إذ هو إلههم هم، ومن أجلهم هم خلق الكون، وبأفعالهم هم تنجو البشرية، ومجدداً، لا أواجه مشكلة مع الإيمان الفردي، مشكلتي هي في فرض هذا الإيمان على الآخر، في تكفير الآخر، والأهم من كل هذا، في وقوف الإيمان في طريق العلم...ـ



لا يهمني أن تؤمن أنك من يقرر عن الله من هم الأخيار ومن هم الأشرار، وما يجب أن يقوم به وما يجب أن يتجنبه، وما إن كان قد أرسل كورونا بأمر مباشر أو لم يفعل، لكن يهمني جدا أن لا يتدخل إيمانك في كيف يسير هذا العالم، وكيف يفكر الآخرون، فالله -كما كان يفترض بك أن تؤمن- لا يشبهك في نهاية المطاف، هو المطلق واللانهاية، وهو اللامتوقع والمجهول، وربما، ربما فقط، لا يهم الله أبدا كيف تفكر فيه، وربما، ربما فقط، أنت لا تعرف ماذا يريد الله...ـ