اليمنيون والهوية الجامعة

يفشل اليمنيون في التمسك بهوية جامعة تتجاوز الانتماءات القبلية والمناطقية والأيدولوجية والسياسية، وأنا لا أقول أن هذه الانتماءات غير طبيعية، أو أنها -بحد ذاتها- عوائق أمام تشكيل وعي وطني بهوية يمنية موحدة، ولكن الإشكالية هي في أنها تتجاوز الخلافات الصحية والصور النمطية إلى خلق نزاعات ساهمت وتساهم في تفاقم الصراعات داخل المجتمع اليمني، وإشعال نار الحرب والعداوات طيلة السنوات الماضية...ـ


تكمن المشكلة في عدم قدرة اليمني على الشعور بانتمائه إلى الآخر البعيد، وعدم وجود أي جهة قادرة على تقديم مشروع وطني شامل، خصوصاً الدولة اليمنية بعد ال ١٩٩٠ التي فضلت تعزيز رمزية الرجل الواحد والحزب الواحد مقابل الهوية الجامعة، حتى الحركة القومية اليمنية -والتي وضعت فيها أملاً في بداياتها- تحولت إلى مكون آخر في هذا الشتات المجتمعي، وقدمت رؤية وطنية ضيقة لا تختلف كثيراً عن سواها...ـ



لا تبرز المشكلة فقط بين الشمال والجنوب، حتى الجنوب ذاته لا يملك هوية موحدة، لا قبل الاستعمار البريطاني، ولا أثناءه، ولا بعده، حضرموت -مثلاً- امتازت بكونها كياناً مستقلاً بامتداد التاريخ، ولا أستبعد أن تنفصل هي الأخرى في حالة حدث وانفصل شطرا اليمن، بل حتى داخل عدن، لا يزال يُنظر إلى الوافدين من المحافظات الجنوبية شمال عدن باعتبارهم دخلاء مخربين، بادية وقبائل غير متحضرة ولا تنتمي إلى الجسد العدني المدني، ولا يبدو أن الكيانات الانفصالية قادرة على التعامل مع هذه المعضلات، بل لا يبدو أنها تحمل أي مشاريع مستقبلية تتجاوز الشعارات الانفصالية...ـ



هذه النظرة المجتمعية ليست مجرد تصورات نمطية ومادة للنكات كما هو الحال لدى بقية الشعوب، بل نتيجة لعزلة مجتمعية فشلت جميع القوى السياسية اليمنية في احتوائها، الصراعات المجتمعية بين صنعاء وتعز - مثلاً- وصلت إلى حد التقليل من قيمة ضحايا الآخر والسباق لخطف الأضواء، والتي ظهرت جلياً بعد ثورة فبراير ٢٠١١، ناهيكم عن تهامة التي تخلى عنها الجميع منذ البداية، ولا تشعر بانتماء للدولة التي لم تقدم لها شيئاً، تماماً كصعدة التي تعيش تحت وقع النيران منذ قرابة العقدين.ـ



لا أزال هنا لم أتحدث عن النزاعات السياسية والقبلية التي قادت البلاد إلى الحرب اليوم، وأهمية إعادة تكوين الهوية الوطنية هي في قدرتها على تحييد الاختلافات داخل المجتمع لمصلحة وطنية أعلى، حصل الأمر ذاته مع الممالك الألمانية في القرن التاسع عشر، ورواندا في القرن العشرين، ونحن بحاجة إلى تكرار التجارب السابقة، إذا ما أردنا الحديث عن أمن مستدام وتنمية مستقبلية، ما عدا هذا فستبقى البلد تحت رحمة أي مشروع تدميري صاعد، تماماً كما حدث مع صعود الحوثيين (٢٠١٤)